جعفر عباس يكتب  تجربتي مع البنقو  

Spread the love

جعفر عباس يكتب

تجربتي مع البنقو

 

(إعادة استجابة لطلب صديق “شبه” عزيز)

كان م. ر. ورائي بثلاث سنوات في جامعة الخرطوم، وكنت اعتبر نفسي مسؤولا عنه، بحكم انني كنت أعرفه جيدا وأحبه، وكان ذكيا جدا ولكن مستهترا بالدراسة، ويتعاطى البنقو بشغف، وفي سنته الأولى في الجامعة رسب في جميع المواد في الامتحان النصفي، فدخلت غرفته في الداخلية، ووجدت كمية من البنقو في تلافيف ملابسه فصادرتها ورميتها في مقلب القمامة، وكنت وهو نقيم في نفس الداخلية: انا في الطابق العلوي وهو في الأرضي، وفي نحو الثالثة فجرا أيقظني بعض الزملاء، لأن هناك من يصيح وهو على الأرض: جعفر وين البنقو؟ ونظرت الى أسفل واكتشفت ان م. ر هو الذي يصرخ، واتضح أنه لم يعثر على البنقو في دولاب ملابسه، وقال له زميل في السكن ان جعفر أخذه، ولازمني صراخ “جعفر وين البنقو” لسنة كاملة في الجامعة

أول احتكاك مباشر لي مع البنقو كان عندما تم استدعائي لعمل انترفيو في السفارة البريطانية لوظيفة ضابط إعلام/ مترجم، وقبل ساعات من توجهي الى السفارة، جاءني صديق وقال لي ان شخصا مسنودا فاز بالوظيفة، فتوجهت الى بيت لأصدقاء عزاب قريب من بيتنا في “الشعبية بحري” وجلست معهم، وكانوا خمسة يتسامرون و”يهرجون”، في غرفة مغلقة الشبابيك وبها بخور كثيف، وبرروا إغلاق الشبابيك بالحرص على عدم ازعاج الجيران، ثم سألني أحدهم عن الانترفيو، فقلت لهم انني سمعت ان الوظيفة صارت من نصيب شخص مسنود، ولكنهم وبالإجماع قالوا لي انني لن اخسر شيئا بإجراء الانترفيو، وخلال دقائق كانوا قد وفروا لي الملابس اللازمة، ورافقني اثنان منهم حتى مدخل السفارة، ودخلت على لجنة الانترفيو وانا هادئ الأعصاب، بمعنى ” ما فارقة معي وعارف انها قضية بايظة”، وبعد مداولات لم تدم طويلا فاجأني مستشار السفارة بقوله: بصراحة انت المرشح الأول من واقع الاختبار التحريري، والراتب كذا وكذا، ونعطيك مهلة كي تدرس العرض، فسكت نصف دقيقة وقلت لهم: انتهت المهلة بقبولي للعرض، ورجعت لبيت العزاب لإعادة الملابس لأصحابها واسترداد جلابيتي، وجلست “اهترش” معهم، ولكن وبعد قليل، شعرت بصداع عنيف، ولاحظت انهم يضحكون ولا يتعاطفون معي، فلما انتفضت غاضبا، قالوا لي انني دخنت البنقو سلبيا وانسطلت وان البخور في الغرفة تلك كان للتغطية على رائحة البنقو، وبعد ان عملت في السفارة لنحو أسبوعين قال لي المستشار: إنهم أعجبوا خلال الانترفيو بكوني شخصا مرحا ومشاغبا، فحكيت له عن الانسطال السلبي، فقال لي ما معناه: ما تعمل دعاية للبنقو وأنه جاب ليك الوظيفة

أيام التدريس نقلوني الى مدرسة الطلحة الزراعية الثانوية، وكان بالبلدة مجموعة متجانسة من مدرسي المرحلة الابتدائية، وكنت اقضي أوقات فراغي في الميز الحكومي الخاص بهم، وذات يوم جمعة اصطحبت معي الى الميز زميلا زراعيا، توجه بعد الغداء الى الحنفية لغسل يده، ثم ناداني وقال لي هامسا وهو يؤشر على نبتة خضراء جوار الحوض: اصحابك ديل زارعين بنقو؟ فصحت في المجموعة: زميلي هذا خبير زراعي ويقول ان النبتة التي قرب الحوض بنقو، فجحظت عيونهم ثم أتوا بطورية وحفروا قبرا عميقا للنبتة ثم صبوا بعض الجاز الأبيض في تجويف عروقها واشعلوا النار كي يقطعوا دابرها، وهكذا تم دفن جريمة لا ذنب لهم فيها البنقو (يبدو ان بذورها سقطت قرب الحوض اثناء قيام ساكن سابق في البيت في إعداد سيجارة)