جهاز الامن** *على عسكوري*
*جهاز الامن**
*على عسكوري*
عادت مرة اخرى بعض الجهات تتحدث عن جهاز الأمن بعد أن يئسوا من الحديث عن القوات المسلحة ومحاولة تفكيكها وبعد أن شاهدوا الإلتفاف غير المسبوق من المواطنيين خلفها لدعمها في معركتنا المصيرية.
عادت هذه الاصوات للتشكيك والطعن في جهاز الامن والصاق التهم الجزافيه به وبمنسوبيه. دون شك ستتكسر هذه الاسهم الصدئة وترتد عليها.
الملاحظ هذه المرة ان اليسار واليمين على حد السواء يحاولون النيل من الجهاز ، وهذا امر ملفت، لان العراك كان دائما بين الإثنين للسيطرة على عليه وإستخدامه لضرب الخصوم السياسيين وتصفية الحسابات السياسية .
إن أجهزة الأمن في كل الدول في محصلتها النهائية (أداة) تستخدمها السلطة لحماية المجتمع والحفاظ على الاستقرار والامن العام. ولتحقيق هذا الهدف تصدر الدولة التشريعات المطلوبة ليقوم الجهاز بعمله. من نافلة القول ان اجهزة الامن لا تصدر التشريعات الخاصة بعملها، انما السلطة القائمة ومؤسساتها التشريعية هي التى تصدرها، و التى تحدد مهام وصلاحيات جهاز الامن. ولذلك يجب الا يقع اللوم على الجهاز وافراده، انما يكون اللوم على السلطة السياسية التى اصدرت التشريعات ابتداء، ذلك هو مكمن الداء والعلة في حياتنا السياسية او كما يقال (عينك في الفيل تطعن في ضله).
فمثلا بعد انقلاب العقيد نميري الذى دعمه اليسار والقوميين العرب تقع المسؤولية عن التجاوزات التى وقعت على النميري والقوى السياسية الداعمة له، وكذلك الامر على الانتهاكات التى وقعت بعد انقلاب البشير الذى نفذته الجبهة الاسلامية كما اعترف قادتها بذلك. هذا بالطبع لا يعف بعض افراد الجهاز الذين تورطوا في تعذيب المعتقلين السياسيين، وهو امر لم يكن له مبرر إطلاقا . أما اعتقال المخالفين في الرأى – رغم رفضي له – فواقع البشرية اليوم يقول انه يحدث في كثير من الدول تحت ذرائع شتي وبلادنا ليست شعبا من الملائكة كما اننا لسنا بدون أخطأ .
تجربة “قحت/ تقدم” الحالية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك وقدمت بينة كافية ان هنالك فعلآ من يجب ان يبقي خلف القضبان لخطورته على امن المجتمع وامن الوطن، ويجب ان لا تأخذنا رأفة بمثل هؤلاء. فعندما وجد هولاء الحرية ادخلوا البلاد في فتن وحروب مدمرة كادت أن تمسح مجتمعنا ودولتنا من على خريطة العالم لولا لطف الله بنا وجسارة القوات المسلحة وجنود وضباط جهاز الأمن والمستنفرين . التراخي في حسم هولاء هو ما قاد إلى الكارثة والماسآة التى يعيشها شعبنا حيث يقتل الأبرياء من الناس كالسوائم.
من البديهيات يجب ان يكون جميع المواطنيين حراسا لامن البلد، هذا اول واجبات المواطنة، ويتوجب عليهم رفد الجهاز بالمعلومات والملاحظات والتحركات لكل ما يشكون فيه او في نواياه للاخلال بسلامة الوطن. ومن نافلة القول لايوجد جهاز امن يمكنه متابعة كل ما يدور داخل البلاد بالدقة والرصد المطلوبين، ولذلك تعتمد اجهزة الامن في كل الدول على المعلومات الاولية التى يدلى بها المواطنون ومن ثم تقوم بالاستقصاء عنها وتنهض بالمتابعة لوأد اى خطر قد يتبع.
عندما تم حل هيئة العمليات التابعة لجهاز الامن، لم تخرج اى مظاهرة احتجاج على ذلك رغم خطورة القرار، بل فرح القحاتة واعتقدوا انهم سجلوا نصرا مؤزرا على الجهاز الذى اعتقدوا لسذاجتهم انه خصما لهم، وما دروا انهم ساقوا بلادهم ومجتمعهم الى الهاوية..! فإن كانوا يدركون خطورة ما فعلوا فهم خونة تجب محاكمتهم، وان كانوا لا يدركون فهم سذج لا يصلحون للحكم..! اذ كيف لانسان عاقل ان يفكك الدرع الذى يحمي مجتمعه من السهام، ثم بعد ذلك يدعي ويزعم انه حريص على امن البلد..!
ما ضر بلادنا شيء مثل المطالبة بالمثالية في اجهزة يتطلب عملها الكثير من (الإجراءات) حماية لامن المجتمع وتماسك الدولة. ولذلك فالعمل في جهاز الامن يجب ان يشمل كل فئات المجتمع بمختلف سجلاتهم، فالجهاز يحتاج ان يكون موجودا وسط كل مكونات المجتمع، نساء، رجال، طلاب، موظفين، رجال اعمال، اساتذة جامعات حرفيين، ائمة، لصوص، سفلة، اراذل، مزارعين ، عمال، صحفيين .. الخ لان هذه هي مكونات المجتمع الذى يتوجب على الجهاز حمايته ، وبدون وجوده بينهم لا يمكن له حمايتهم . أما بعض السلوكيات التى تخالف القوانين السائدة لبعض هذه الفئات فهى من عمل الشرطة والمحاكم وليس لجهاز الأمن علاقة بها.
يجب الا يكون جهاز الامن مكانا للمتبتلين والصائمين والقانتين، فهولاء مكانهم المساجد وحملات الدعوة، اما عمل الجهاز فهو عملا بشريا صرفا يتطلب الالمام الكامل بطبائع المجتمعات والمتآمرين والخونة ولا تصلح فيه حسن النية مطلقا، وكما يقال فإن الطريق الى الجحيم مفروش بحسن النوايا. والآن دفع مجتمعنا دما غزيرا لحسن النوايا وما يزال الحبل على الغارب. ولذلك يجب ان نكون قد وعينا الدرس من واقع هذه الحرب ومن مآساة عشرات ملايين المواطنيين الابرياء الذين استبيحت حياتهم ودمرت او قتلوا او شردوا في فجاج الارض دون ذنب!
ان تفكيك المؤسسات الحساسة كالجيش والامن هو في جوهره تفكيك للدولة! كادت قحت ابان فترة حكمها ان تقض على جهاز الامن كمؤسسة وتركت بلادنا (امفكو) استباحها السفراء طولا وعرضا حتى اعلن قائد المليشيا صراحة: (تتحكم فينا السفارات).. ولا يمكن لدولة محترمة ان تسمح لنائب الرئيس ان يقول مثل ذلك الحديث ويذهب لينام مطمئنا..! وكما هو معلوم صمتت جماعة قحت على تصريح حليفها ولم تنف ان السفارات تتحكم في البلاد التى كانوا يحكمونها وقتها، وكان ذلك اقرارا بحقيقة واقعة. لم يجرؤ اى من قادة قحت على نفي ما قاله قائد جناحهم العسكري. وكان الواجب الوطنى يقتضي عليهم اخراج العطالى من مناصريهم في مظاهرة ضد تلك التصريحات والمطالبة باقالة نائب الرئيس وابعاد تلك التهمة عنهم تماما، لكنهم كانوا شركاء في ذلك يخضعون لتوجيهات السفراء (اقرارا بالاستعمار)!
بعد ان احست قحت ان جهاز الامن اصبح بلا اسنان اتجهت للخطوة الاخيرة وهي تفكيك الجيش معتمدة على جناحها العسكري، فنالت وبال امرها.
أن القوى السياسية الوطنية عليها أن تتفق وتلتزم ان لا تتحدث عن الجيش وعن جهاز الامن في الإعلام مهما كانت الاسباب والمبررات! وان كان لديها ملاحظات حول هذه المؤسسات يجب تسليمها كتابة لقادتها دون ضوضاء .
والله لا اعرف شعبا يتحدث عن الاجهزة الامنيه لبلده في كل وسائل الاعلام بتلك الصورة الفجة الساذجة. والحال كذلك فقد آن الأوان لاصدار تشريع يجرم كل من يتحدث عن الاجهزة الامنية في الاعلام، مع تأسيس قناة محددة للقوى السياسية لايصال ملاحظاتها حول هذه الاجهزة لقادتها.
ولعلى في نهاية هذا المقال اشير الى انه لا توجد مؤسسة مدنية كانت أم عسكرية لا تحتاج الى إصلاح ، وليس الهدم والتفكيك، فكل المؤسسات بطبيعتها تحتاج الى الاصلاح والتحديث ببساطة لأن الواقع الاجتماعى والسياسي المتغير يقتضي ذلك ، ولكن الشعوب لا تذهب الى الإعلام (لتدق طار) مؤسساتها امام العالم.
في كل الدول اصلاح المؤسسات الحساسة كالجيش وجهاز الامن تناقشه لجان متخصصة في برلمانات منتخبة ترفع تقاريرها وتوصياتها لرئاسة الدولة ومن ثم يتم الاصلاح دون ضوضاء ولا جلبة.
اثبتت هذه الحرب ان قادة الجيش وضباطه وجنوده و قادة جهاز الامن وضباطه وجنوده، اهل للتضحية والفداء وقدم العديدون منهم من مختلف الرتب ارواحهم رخيصة في سبيل اداء واجبهم والدفاع عن الوطن، هذا ما يجب الاحتفاء به وليس انتقادهم او التقليل من تضحياهم.، فلولا هذه التضحيات الضخمة لاصبحنا سخرة او عبيدا خداما لآل دقلو وحواضنهم الاجتماعية!
ونحن نقترب من النصر التهنئة لرجال القوات المسلحة وجهاز الامن (امن ياجن) بانتصاراتهم وافتخارنا بما يقدموه من تضحيات من اجل الوطن حماية لحقنا في الحياة بكرامة!
هذه الارض لنا
*نشر بصحيفة اصداء سودانية 10 نوفمبر 2024 م*