العابرون إلى السماء …*   *بقلم : حسن فضل المولى*  

Spread the love

*العابرون إلى السماء …*

 

*بقلم : حسن فضل المولى*

 

لم أشأ أن أخصك بالذكر ،

و قد ارتفع ذِكْرُك ،

فأنت بعضٌ ممن تنادوا ،

أن حيَّ على الفداء ،

و هم أفواج تلو أفواج ،

فمنهم من قضى نحبه ،

و منهم من ينتظر

و ما بدلوا تبديلا ..

لقد كتبوا فيكم ما كتبوا ،

و قالوا فيكم أحسن القول ..

كتب كثيرون موجوعون …

و كثيرات موجوعات …

و كتب ( عزمي عبدالرازق ) :

( العبور من الجسر إلى السماء ) ..

و قد جاء قوله برائحة الشهادة ،

و بلون الدماء الطاهرة المبذولة ..

و هو يحكى عن صنيع أولئك

الذين يبذلون حياتهم لنحيا ،

و كيف يكون الإقدام ،

و كيف يزحمون بالمناكب

الشُهُبا ..

و هم ذاتهم الذين وصفهم

( محمد حامد جمعة ) في

مَراقِدهم ، و قد تجاوروا و تحاذت الرتب ، من أعلى إلى أدنى ،

النظامي منهم و من عَجِل

مُستنفراً ، و قد ،

( تقاربوا في المرقد مثلما تماسكوا

في القيام بالواجب ) ..

و قد رأيت و سمعت أكثر من

شهيد يخاطب أهله ،

قبل أن يستشهد ،

يخاطبهم بابتسامة كأنها مولد

فجر جديد ..

و أي شهادة هي مولد فجر جديد ،

إن لم يكن اليوم فغداً ،

فدماء الشهداء مباركة ، تتنزل

عزة و كرامة و بركات ..

و لقد قرأت لأحدهم أن الشهداء

كأنهم ( توائم ) قد خُلِقوا على

خُلْقِ رجل واحد ..

و حكى أنه كلما أحصى الناسُ

مناقبَ شهيدٍ تتجلى له مناقبُ

( شقيقه ) الذي استشهد قبل

خمسة عشر عاماً ..

فعلاً ..

إنهم هُم هُم ،

نفس الملامح و الفِعال ..

في الفضائل ،

و في أوجه البر و الإحسان ،

و في الاستعلاء بالحق ،

و في الإحجام عن مواطن التزاحم

البغيض ..

يقولون التي هي أحسن ،

و يفعلون الذي هو أجمل ،

و لا يرجون جزاءً و لا شكورا ..

إنهم لله ،

و خلْقٌ لله ،

و سعيٌ لله ،

و جزاؤهم عند الله ..

و أنا إذ أرنو إليهم ،

أحتقرني ،

و ازدري حالي ،

و كسبي ،

و نفسي التي تهفو إلى أشواقها

الدنيا ،

و تركن إلى ملذاتها ،

و تأتي ما يحلو لها ..

بينما هم

يؤدون ما عليهم ،

بكل مالديهم

و بأصدق مالديهم ..

و هم في الخنادق ،

و الأحراش ،

و الفلوات ..

يتقلبون في حر السموم ،

و يكابدون قارس الزمهرير ..

قليلاً ما يهجعون و قد لا يهجعون ،

و قليلاً ما يأكلون و قد لا يأكلون ،

و قليلاً مايشربون و قد لا يشربون ..

إنه أمر عسير و جد عسير ،

أن ينتشل المرء نفسه من

رغائبها و أشواقها ،

إلى زينة الحياة الدنيا ،

و يخرج مُقاتلاً ..

يخرج مقاتلاً في زمن يتداعى فيه

الناس إلى مواطن السلامة و لسان

حالهم ..

نفسي نفسي ،

و أهلي أهلي ،

و مالي مالي ..

و نحن في غفلتنا سادرون ،

نأكل و نشرب ،

و نلهو و نطرب ،

نستيقظ كل يومٍ على خبر شهيد ،

و زُمَرا من الشهداء ، و جماعات ..

و هو مايبشر بكل خير ،

ذلك أن دماء الشهداء هي التي

ترسم معالم الغد المنير ..

إنها مصابيح الطريق ،

و إكسير الحياة الحقة ،

و بِشارات النصر المُبين ..

و الأمم تحيا بشهدائها ،

و تعلوا بشهدائها ،

و تطيب بشهدائها ..

و نحن إذ نفتقدهم ،

و تنفطر قلوبنا لفقدهم ،

و نُشهِر الحزن عليهم ،

يملؤنا اليقين ،

أننا نحن الأموات ،

و أن الشهداء لا يموتون ،

إنهم أحياء عند ربهم يُرزقون ،

و فرحين بما آتاهم الله من فضله ..

وليس هذا فحسب ،

بل يستبشرون بالذين لم

يلحقوا بهم من إخوانهم ..

و الشهيد تبدأ حياته يوم مماته ،

و هي حياة الخلود في رضى

الرحمن و نعيمه ..

و حياة الذكر الحسن و موصول

الدعاء له في الحياة الدنيا ..

لذلك نجد أن الله يصطفي

للشهادة اصطفاءً ،

و ينتقي لها انتقاءً ..

فالشهادة ليست في متناول

حتى الذين يسعون لها ،

و هذا ما تعكسه تلك الحسرة

التي تغَشَّت ( خالد بن الوليد ) ،

رضي الله عنه ، و هو على فراش الموت ..

( لقد شهدت مائة زحف ،

أو زهاءها ، و ما في بدني

موضع شبر إلا و فيه ضربة

بسيف أو رمية بسهم أو

طعنة برمح ،

و هاأنذا أموت على فراشي ،

حتف أنفي ، كما يموت البعير ،

فلا نامت أعين الجبناء ) ..

إن الذين يوقنون بأن الموت آتٍ

لا محالة ،

يتمنونها ميتةً على أحسن وجه ،

( اللهم إنها ميتة و احدة فاجعلها

في سبيلك ) ..

قال جلت قدرته :

( قُلْ إنَّ الموتَ الذي تَفرُّون منه

فإنه مُلاقيكم )

تأكيد وراء تأكيد ..

يعني ،

عندما تفر من الموت ، فإن الموت

لا يطاردك ، و لكنك تجده أمامك في انتظارك ..

لذا تمنَّى كيف تموت ،

و إن استطعت فتخير كيف تموت ،

و إن لم تستطع فاذكر بخير من

من مات ميتة حَقة ،

و استعذ بالله من القَتَلة ،

قتلة الشهداء ،

و هم الذين إذا نظرت إليهم

تجد في سيرتهم كل ما هو بشع

و مُستقبح و مُستنكر ،

لا يذكرهم أحدٌ بخير ،

و لا يَذكُرون أحداً بخير ،

و لا يأتي من تلقائهم خيرٌ ..

و هم الأموات ..

يتآكلون ،

و يحترقون ،

و يتعذبون ،

و يُرذلون كل يوم ألف مرة ..

و بقدر ما ينتظر ( الشهيد ) من

حياة و نعيم مقيم ، فلك أن

تتصور ما ينتظر قاتل الشهيد

من شقاءٍ في الدنيا و عذابٍ

في الآخرة ،

ذلك أن من قتل نفساً بغير حق

فكأنما قتل الناس جميعاً ،

فما بالك بمن قتل من يدافع

عن دينه ،

أو عن دمه ،

أو عن ماله ،

أو عن أهله ،

أو عنهما جميعاً !!

أي مصير ينتظر هذا المغضوب

عليه ،

و أيّ شقاء ،

و أيّ سوء مُنْقَلَب !!

نعم ،

الشهداء ينعمون بالدعوات

المباركات الصالحات ..

و المجرمون تطاردهم اللعنات

الحارقات الناسفات ..

و هو ما يجسده حال تلك الزوجة ،

و التي بعد أن سلبوا مال زوجها ،

و كل متاعه ، قتلوه أبشع قِتلة ،

و مثلوا بجثته ،

و قد مضى عليها عام ، و هي

صائمة تدعو له آناء الليل

و أطراف النهار ،

و تدعو عليهم آناء الليل

و أطراف النهار ..

و مثلها ألوف ،

و مئات الألوف ..

و نحن ..

مهما اشتد بنا الكرب

و تعاظم علينا الفقد

و ضاقت علينا الدنيا بما رحبت ،

فإن ذلك يهون مقارنة بتضحيات ،

الذين عبروا إلى الأعالي ،

و الذين ينتظرون ،

و الذين فقدوا أطرافهم ،

و الذين يُعذَبون في الأسر ، و هم

يقاسون أسوأ ما عرفته البشرية ،

من ألوان العذاب و صنوف

التنكيل ..

و الحمد لله على كل حال ..

 

«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ

عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ

وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»

اللهم اجعل أعمالنا مما ترضيك ،

تعاليت و تباركت ،

و ترضي نبيك عليه أفضل الصلاة

و السلام ،

و تسر المؤمنين ..

و السلام ..

.

9 نوفمبر 2024 م ..